فصل: باب الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والكف عن إقامة السيف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والكف عن إقامة السيف

1 - عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية‏)‏‏.‏

وفي لفظ‏:‏ ‏(‏من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية‏)‏‏.‏

2 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون قالوا‏:‏ فما تأمرنا قال‏:‏ فوا ببيعة الأول فالأول ثم أعطوهم حقهم فإن اللّه سائلهم عما استرعاهم‏)‏‏.‏

متفق عليهن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليصبر‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏فليصبر عليه‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من فارق الجماعة شبراً‏)‏ بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة كناية عن معصية السلطان ومحاربته قال ابن أبي جمرة‏:‏ المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء فكنى عنها بمقدار الشبر لأن الأخذ في ذلك يؤل إلى سفك الدماء بغير حق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فميتته جاهلية‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ مات ميتة جاهلية‏.‏ وفي رواية له أخرى‏:‏ فمات إلا مات ميتة جاهلية‏.‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ فميتته ميتة جاهلية وفي أخرى له من حديث ابن عمر‏:‏ ‏(‏من خلع يداً من طاعة لقي اللّه ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية‏)‏ وفي الرواية الأخرى من حديث ابن عباس المذكور‏:‏ ‏(‏فمات عليه إلا مات جاهلية‏)‏ قال الكرماني‏:‏ الاستفهام هنا بمعنى الاستفهام الإنكاري أي ما فارق الجماعة أحد إلا جرى له كذا أو حذف ما فهي مقدرة أو إلا زائدة أو عاطفة على رأي الكوفيين والمراد بالميتة الجاهلية وهي بكسر الميم أن يكون حاله في الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك وليس المراد أنه يموت كافراً بل يموت عاصياً ويحتمل أن يكون التشبيه على ظاهره ومعناه أنه يموت مثل موت الجاهلي وإنلم يكن جاهلياً أو أن ذلك ورد مورد الزجر والتنفير فظاهره غير مراد ويؤيد أن المراد بالجاهلية التشبيه ما أخرجه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وصححه من حديث الحارث بن الحارث الأشعري من حديث طويل وفيه‏:‏ ‏(‏من فارق الجماعة شبراً فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه‏)‏ وأخرجه البزار والطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس وفي سنده جليد بن دعلج وفيه مقال وقال من رأسه يدل من عنقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوا ببيعة الأول فالأول‏)‏ فيه دليل على أنه يجب على الرعية الوفاء ببيعة الإمام الأول ثم الأول ولا يجوز لهم المبايعة للإمام الآخر قبل موت الأول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أعطوهم حقهم‏)‏ أي ادفعوا إلى الأمراء حقهم الذي لهم المطالبة به وقبضه سواء كان يختص بهم أو يعم وذلك من الحقوق الواجبة في المال كالزكاة وفي الأنفس كالخروج إلى الجهاد وظاهر الحديث العموم في المخاطبين ونقل ابن التين عن الداودي أنه خاص بالأنصار وكأنه أخذه من كون المخاطب بذلك الأنصار كما في حديث عبد اللّه بن زيد ولا يلزم من مخاطبتهم بذلك أن يختص بهم فإنه يختص بهم بالنسبة إلى المهاجرين ويختص ببعض المهاجرين دون بعض فالمستأثر من يلي الأمر ومن عداه هو الذي يستأثر عليه ولما كان الأمر يختص بقريش ولا حظ للأنصار فيه خوطب الأنصار في بعض الأوقات وهو خطاب للجميع بالنسبة إلى من لا يلي الأمر وقد ورد ما يدل على التعميم ففي حديث يزيد بن سلمة الجعفي عند الطبراني أنه قال‏:‏ يا رسول اللّه إن كان علينا أمراء يأخذونا بالحق ويمنعونا الحق الذي لنا أنقاتلهم قال لا عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم‏.‏

وأخرج مسلم من حديث أم سلمة مرفوعاً‏:‏ ‏(‏سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وبايع قالوا أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا‏)‏ ونحوه حديث عوف بن مالك الآتي وفي مسند الإسماعيلي من طريق أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة بن الجراح عن عمر رفعه‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ أتاني جبريل فقال إن أمتك مفتتنة من بعدك فقلت من أين قال من قبل أمرائهم وقرائهم يمنع الأمراء الناس الحقوق فيطلبون حقوقهم فيفتنون ويتبع القراء الأمراء فيفتنون قلت فكيف يسلم من سلم منهم قال بالكف والصبر إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه‏)‏‏.‏

3 - وعن عوف بن مالك الأشجعي قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قال قلنا يا رسول اللّه أفلا ننابذهم عند ذلك قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة إلا من ولى عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية اللّه فليكره ما يأتي من معصية اللّه ولا ينزعن يداً من طاعة‏)‏‏.‏

4 - وعن حذيفة بن اليمان‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس قال‏:‏ قلت كيف أصنع يا رسول اللّه إن أدركت ذلك قال‏:‏ تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع‏)‏‏.‏

5 - وعن عرفجة الأشجعي قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه‏)‏‏.‏

رواهن أحمد ومسلم‏.‏

6 - وعن عبادة بن الصامت قال‏:‏ ‏(‏بايعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا تنازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من اللّه برهان‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

7 - وعن أبي ذر‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ يا أبا ذر كيف بك عند ولاة يستأثرون عليك بهذا الفيء قال‏:‏ والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي وأضرب حتى ألحقك قال‏:‏ أولا أدلك على ما هو خير لك من ذلك تصبر حتى تلحقني‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث أبي ذر في إسناده خالد بن وهبان قال في التقريب‏:‏ مجهول من الثالثة وقال في التهذيب‏:‏ ذكره ابن حبان في الثقات‏.‏ وقال أبو حاتم‏:‏ مجهول‏.‏

وفي الباب أحاديث غير هذه بعضها بقدم في باب براءة رب المال بالدفع إلى السلطان الجائر في كتاب الزكاة وبعضها مذكور في غير هذا الكتاب من ذلك حديث ابن عمر عند الحاكم بلفظ‏:‏ ‏(‏من خرج من الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن ميتته ميتة جاهلية‏)‏ وقد قدمنا نحوه قريباً عن الحارث بن الحارث الأشعري ورواه الحاكم من حديث معاوية أيضاً والبزار من حديث ابن عباس‏.‏ وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ‏:‏ ‏(‏من خرج من الطاعة وفارقالجماعة فميتته جاهلية‏)‏ وأخرج أيضاً مسلم نحوه عن ابن عمر وفيه قصة وأخرج الشيخان من حديث أبي موسى الأشعري بلفظ‏:‏ ‏(‏من حمل علينا السلاح فليس منا‏)‏ وأخرجاه أيضاً من حديث ابن عمر وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وسلمة بن الأكوع وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم من حديث أبي ذر‏:‏ ‏(‏من فارق الجماعة قدر شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه‏)‏ وأخرج البخاري من حديث أنس‏:‏ ‏(‏اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عبد حبشي رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب اللّه تعالى‏)‏ وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏من أطاعني فقد أطاع اللّه ومن عصاني فقد عصى اللّه ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني‏)‏ وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث ابن عمر‏:‏ ‏(‏على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة‏)‏ وأخرج الترمذي من حديث ابن عمر‏:‏ ‏(‏ألا أخبركم بخير أمرائكم وشرارهم خيارهم الذين تحبونهم ويحبونكم وتدعون لهم ويدعون لكم وشرار أمرائكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم‏)‏ وأخرج الترمذي من حديث أبي بكرة‏:‏ ‏(‏من أهان سلطان اللّه في الأرض أهانه اللّه تعالى‏)‏ والأحاديث في هذا الباب كثيرة وهذا طرف منها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خيار أئمتكم‏)‏ الخ فيه دليل على مشروعية محبة الأئمة والدعاء لهم وإن من كان من الأئمة محباً للرعية ومحبوباً لديهم وداعياً لهم ومدعواً له منهم فهو من خيار الأئمة ومن كان باغضاً لرعيته مبغوضاً عندهم يسبهم ويسبونه فهو من شرارهم وذلك لأنه إذا عدل فيهم وأحسن القول لهم أطاعوه وانقادوا له وأثنوا عليه فلما كان هو الذي يتسبب بالعدل وحسن القول إلى المحبة والطاعة والثناء منهم كان من خيار الأئمة ولما كان هو الذي يتسبب أيضاً بالجور والشتم للرعية إلى معصيتهم له وسوء القالة منهم فيه كان من شرار الأئمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا ما أقاموا فيكم الصلاة‏)‏ فيه دليل على أنه لا يجوز منابذة الأئمة بالسيف مهما كانوا مقيمين للصلاة ويدل ذلك بمفهومه على جواز المنابذة عند تركهم للصلاة‏.‏ وحديث عبادة بن الصامت المذكور فيه دليل على أنها لا تجوز المنابذة إلا عند ظهور الكفر البواح وهو بموحدة فمهملة‏.‏

قال الخطابي‏:‏ معنى قوله بواحاً يريد ظاهراً بادياً من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحاً وبواحاً إذا ادعاه وأظهره قال ويجوز بوحاً بسكون الواو ويجوز بضم أوله ثم همزة ممدودة قال ومن رواه بالراء فهوقريب من هذا المعنى‏.‏ وأصل البراح الأرض القفر التي لا أنيس فيها ولا بناء وقيل البراح البيان يقال برح الخفاء إذا ظهر‏.‏ قال النووي‏:‏ هي في معظم النسخ من مسلم بالواو وفي بعضها بالراء‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ووقع عند الطبراني كفراً صراحاً بصاد مهملة مضمومة ثم راء ووقع في رواية إلا أن تكون معصية للّه بواحاً‏.‏

وفي رواية لأحمد ما لم يأمرك بإثم بواحاً وفي رواية له وللطبراني عن عبادة‏:‏ ‏(‏سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى اللّه‏)‏ وعند ابن أبي شيبة من حديث عبادة‏:‏ ‏(‏سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا تعرفون ويفعلون ما تنكرون فليس لأولئك عليكم طاعة‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليكره ما يأتي من معصية اللّه ولا ينزعن يداً من طاعة‏)‏ فيه دليل على أن من كره بقلبه ما يفعله السلطان من المعاصي كفاه ذلك ولا يجب عليه زيادة عليه‏.‏

وفي الصحيح‏:‏ ‏(‏من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبقلبه فإن لم يستطع فبلسانه‏)‏ ويمكن حمل حديث الباب وما ورد في معناه على عدم القدرة على التغيير باليد واللسان ويمكن أن يجعل مختصاً بالأمراء إذا فعلوا منكراً لما في الأحاديث الصحيحة من تحريم معصيتهم ومنابذتهم فكفى في الإنكار عليهم مجرد الكراهة بالقلب لأن في إنكار المنكر عليهم باليد واللسان تظهرا بالعصيان وربما كان ذلك وسيلة إلى المنابذة بالسيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في جثمان أنس‏)‏ بضم الجيم وسكون المثلثة أي لهم قلوب كقلوب الشياطين وأجسام كأجسام الأنس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع‏)‏ فيه دليل على وجوب طاعة الأمراء وإن بلغوا في العسف والجور إلى ضرب الرعية وأخذ أموالهم فيكون هذا مخصصاً لعموم قوله تعالى ‏{‏من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‏}‏ وقوله ‏{‏وجزاء سيئة سيئة مثلها‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن عرفجة‏)‏ بفتح العين المهملة وسكون الراء وفتح الفاء بعدها جيم هو ابن شريح بضم المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها حاء وقيل ابن ضريح بضم الضاد المعجمة وقيل ذريح بفتح الذال المعجمة وكسر الراء وقيل صريح بضم الصاد المهملة وقيل شراحيل وقيل سريج بضم السين المهملة وآخره جيم ويقال له الأشجعي ويقال الكندي ويقال الأسلمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بايعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ بفتح العين ورسول فاعله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في منشطنا‏)‏ بفتح الميم والمعجمة وسكون النون التي بينهما أي في حالنشاطنا وحال كراهتنا وعجزنا عن العمل بما نؤمر به ونقل ابن التين عن الداودي أن المراد الأشياء التي يكرهونها‏.‏ قال ابن التين‏:‏ والظاهر أنه أراد في وقت الكسل والمشقة في الخروج ليطابق معنى منشطنا ويؤيده ما عند أحمد في حديث عبادة بلفظ في النشاط والكسل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأثرة علينا‏)‏ بفتح الهمزة والمثلثة والمراد أن طاعتهم لمن يتولى عليهم لا تتوقف على إيصالهم حقوقهم بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن لا ننازع الأمر أهله‏)‏ أي الملك والإمارة زاد أحمد في رواية‏:‏ وإن رأيت أن لك في الأمر حقاً فلا تعمل بذلك الظن بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليكم بغير خروج عن الطاعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا أن تروا كفراً بواحاً‏)‏ قد تقدم ضبطه وتفسيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عندكم فيه من اللّه برهان‏)‏ أي نص آية أو خبر صريح لا يحتمل التأويل ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل‏.‏

قال النووي‏:‏ المراد بالكفر هنا المعصية ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم اهـ قال في الفتح‏.‏ وقال غيره‏:‏ إذا كانت المنازعة في الولاية فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف ومحل ذلك إذا كان قادراً ونقل ابن التين عن الداودي قال الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب وإلا فالواجب الصبر وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء فإن أحدث جوراً بعد أن كان عدلاً فاختلفوا في جواز الخروج عليه والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ إن حديث ابن عباس المذكور في أول الباب حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار قال في الفتح‏:‏ وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وإن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها كما في الحديث اهـ‏.‏

وقد استدل القائلون بوجوب الخروج على الظلمة ومنابذتهم السيف ومكافحتهم بالقتال بعمومات منالكتاب والسنة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا شك ولا ريب أن الأحاديث التي ذكرها المصنف في هذا الباب وذكرناها أخص من تلك العمومات مطلقاً وهي متواترة المعنى كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنة ولكنه لا ينبغي لمسلم أن يحط على من خرج من السيف الصالح من العترة وغيرهم على أئمة الجور فإنهم فعلوا ذلك باجتهاد منهم وهم أتقى للّه وأطوع لسنة رسول اللّه من جماعة ممن جاء بعدهم من أهل العلم ولقد أفرط بعض أهل العلم كالكرامية ومن وافقهم في الجمود على أحاديث الباب حتى حكموا بأن الحسين السبط رضي اللّه عنه وأرضاه باغ على الخمير السكير الهاتك لحرم الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم اللّه فياللّه العجب من مقالات تقشعر منها الجلود ويتصدع من سماعها كل جلمود‏.‏